Sunday, November 29, 2009

حِـــــلــــم



بنظراتٍ سعيدة .. أراقب المكان من حولى محطة مترو الأنفاق تبدو مزدحمة جدا بالرغم من ان الوقت يعقب الفجر بقليل

ان النجاح فى عقلى منذ بداية طريقى كان مرتبطا بهذا الوقت من الصباح حيث النور والهواء والتفاؤل باليوم الجديد

قال لى استاذى يوما ان الطائر المبكر هو اول من يلتقط الدودة وهمست لنفسى : أستاذى هل انت فخور بى الآن ؟
قد لا نلتقى مجددا لكنك ستبقى اول من اشعل جذوة حماسى للنجاح ..

اخرجنى صوت الصافرة المعلنة وصول المترو من أفكارى وعدت للانغماس فى واقعى الجميل النظام يسود الركاب نترك من بالداخل يخرج اولا ثم ندخل بلا اى صوت ولا ادنى مشكلة

اخذت مكانى على احدى المقاعد وهمست بدعاء الركوب واخرجت كتابا وقبل ان انغمس فى صفحاته جذبنى صوت صغير يتحدث - بلغة اجنيبة اعرفها جيداً - الى جوارى كانتا فتاتين يرتديان زى المدرسة الثانوية وتهمس احداهما للأخرى بحزن قائلة : هل تعتقدين أننى قد أنجح ! امى لا تتوقف عن السخرية من حلمى حتى والدى لم يدعمنى .. ردت عليها صديقتها بأسف لا تحزنى ربما تتمكنين من النجاح وقتها سيندمون على ذلك يا عزيزتى ..

شردت ببصرى عبر النافذة لأراقب طيور الفجر تحتضن السماء وتذكرت زمنا بعيدا كنت فيه مكان تلك الفتاة وكلمة هل مزروعة فى الأفق معلقة بكل الخوف والأمل فى نفسى .. والرجاء

وكلمات أستاذى العظيمة تبعثر الشك من قلبى وتترك اليقين قويا صامدا بتاراً " نعم ستنجحين لا تلتفتى بُـنـَيتى لأى كلمة تهز من عزمك .. فى يوم ما سقطت بيضة صقر فى خن دجاج وتربى فرخ الصقر مع حقيقة ثابتة يزرعها الآخرين فى نفسه انت دجاجة ! لكنه ما فتىء ينظر للسماء وأخفى الحلم وجاهد وحده كل ليلة فى محاولة الطيران وعيناه لا تفارقان هدفه وذات صباح أستيقظ اخوته فوجدوه محلقا فى عنان السماء "

يومها آمنت بأنى سأحقق حلمى مهما ظن الآخرين فى أستحالته والآن اكاد لا أصدق بأنى أنا أمتلك مكتب الترجمة الذى تمنيته - فى البلاد التركية التى احببتها - ومنزلى الخاص وقد صرت اعيش حلمى حقيقة اتنفسها كل يوم

وصل المترو الى وجهتى وقبل أن أغادره ألتفت الى الفتاة قائلة :

" ستحقيقينه ما دمت تريدين "

قلتها وغادرت مبتسمة ..

Thursday, August 13, 2009

" بلادهم وبلادى "



كُلُّ ما في بَلْـدَتي

يَمـلأُ قلـبي بالكَمَـدْ .

بَلْـدَتي غُربـةُ روحٍ وَجَسَـدْ

غُربَـةٌ مِن غَيرِ حَـدْ

غُربَـةٌ فيها الملاييـنُ

وما فيها أحَـدْ .

غُربَـةٌ مَوْصـولَةٌ

تبـدأُ في المَهْــدِ


ولا عَـوْدَةَ منها .. للأبَـدْ !



...





كانت المفاجأه الأكبر عندما اخبرتنى مُعلمتى بمنحة دراسية الى تركيا مدتها شهر كامل - ولمن لا يعرف فدراستى الجامعيه هى تخصص لغة تركية -

رُبما كان الأجمل فى هذه المفاجأه انها جائت فى وقت لا أتوقع فيه شيئاً !


قُمت بإجراءات السفر بعد محاولات عديده مع الأهل لنيل موافقتهم وبعد محايلات وافقت أمى الحبيبه ورافقتنى لعمل ورقة اذن السفر من ولى الأمر لمن هم تحت سن الرشد ( shy.gif )


وبعدها وجدت نفسى هُناك .. بينهم

انهم الشعب الأروع .. والبلد الأجمل .. والروح التى لاوصف لها ..

جلست هناك فى بيت خاص مليئ بالطالبات التركيات اللاتى يتكلمن العربيه - او يُردن التكلم بها - ومن هنا بدأت اشعر بالفرق ..

بحثت بين وجوه من التقيت هناك فوجدت السِمه الرئيسيه التى تجمع بينهن هى الطموح اللا متناهى وممارسة العلم بحب غريب لم اراه فى بلادى قط !

شغف , حب , طموح , هدف واضح , تطلع للأفضل , والأهم ثقة من جميع الأطراف ..

ثقة من الأهل ومساندة قوية .. ثقة من المُعلمين وتشجيع لا متناهى .. ثقة من الفتيات بأنفسهن بأن هدفهن واضح ولا مجال لعدم تحقيقه

رأيت هناك فتيات لم أرهم فى بلادى ..


تمنيت حينها ان تكون بلادى مثل بلادهم .. ان يكون أهلنا مثل اهلهم

- فكم أم مصرية الآن شجعت ابنتها بعد التخرج على العمل او اكمال الدراسة وليس على الزواج فقط !

- كم أب مصرى شجع ابنته على السفر للدراسة فى الخارج واكتساب الخبرة بنفسها .. وليس على الجلوس فى المنزل وانتظار الفرج !


...


والشخصية الأروع التى اثارت شغفى طوال مدة اقامتى هناك - وحتى الآن - هى مديرة المكان التى يناديها الصغير والكبير بـ

" زينب آبــلــه "


اذا لقيتها يوما فى احد الشوارع فربما لن تميزها قط , ولكن اذا كنت محظوظاً كفاية لدخول عالمها فتأكد بأنك سوف تعشق ماتراه

صُدمت عند معرفتى بعمرها الحقيقى فنظراتها الصارمة واسلوب قيادتها للمكان توحى بأنها تفوق اعومها الأربعة والعشرون بأعمار

ملابسها المُنسقة طوال الوقت , وحجابها - الذى لم تخلعه امامنا ابداً - وابتسامتها النادرة , وطريقة حديثها الجادة دائماً جعلتنى فى البداية اعتقد بأنها شخصية ادارية جاده لن اتحدث معها ابداً بشكل خاص ولاعام .. ولكن ماحدث كان عكس هذا تماماً

ذات يوم كنت فى حالة من ما يسمونه بالـ Homesick انزويت فى احدى الحجرات وامسكت بهاتفى فى محاولة يائسة للأتصال بأمى ولكن دون جدوى انقطعت الشبكه فى كل مره .. جلست طويلاً وبكيت كثيراً وأخيراً رأيت أمامى وجهاً سمحاً مبتسماً بشوشاً لقد كانت هى زينب آبله جلست بهدوء الى جانبى وأخذت تربت برفق على كفى .. وحينها وجتنى اجهش فى البكاء بين ذراعيها قائلة بأننى اشتقت الى أمى كثيراً سائلة اياها : كيف لك ان تتحملى كل هذه المُدة بدون اهلك وحيدة ..

وهُنا جائتنى اجابتها شافية لكل اشتياقى لأمى .. مُجففة لدموعى الى آخر مُدة وجودى هناك .. مُخترقة لعقلى وقلبى .. موقظة اياى من سبااااااات طويل ..

قالت : هُناك عينا أمى فقط هما من تريدان رؤيتى .. ولكن هنا هناك الكثير من العيون بحاجة الى وجودى ..

يا الله .. هل يوجد مثلها هنا

بعد حوار طويل عرفت بأنها تُشرف علي الفتيات فى هذا البيت وعلى دراستهن وانها لم ترى أهلها منذ احدى عشر شهراً .. ولن تراهم قريباً

كانت هذه احدى المواقف التى جعلتنى اقول بداخلى : ليتنى أستطيع عمل نصف ماتفعل

وبعدها توالت المواقف التى كانت فيهاتشبه كثيرا أختى الراحله وكذا مُعلمتى الأولى ..

كانت زينب آبله هى من تعطينا درس التركى الذى جئنا من اجله يومياً ولمدة خمس ساعات كنا نقضى معها هذا الوقت من أجل الدرس ولكنهم لم يكفوا أبداً لنتعلم منها كل شيئ ..

ذات يوم جلسنا جميعاً نحن المصريات والكثير من التركيات فى مساء يوم يُسمى بالـ قنديـل عندهم وهى ليلة ايمانيه يقرؤن فيها القرآن .. اصروا جميعاً على أن نقرأ نحن أولاً فنحن العربيات والقرآن بلغتنا فقرأنا , وجاء دورهن وكان الجزء الأصعب علينا .. صعوبة شديده فى نطق الحروف العربيه ورغم ذلك لا يأس ولا خجل محاولة ومحاولة ورغبة فى تصحيح الأخطاء .. كانت قرائتهم هى الأجمل والأخشع والأصعب

شعرت حينها بأننى سأحاسب يوم القيامة على قرائتى الصحيحه للقرآن وعلى عربيتى اذا لم أخدم بها غيرى .. فغيرى لا يملك مثلها ولكنه خير منى ألف مره بمحاولته للتعلم بل ولتعليم غيره ..

- فكم منا اليوم يهتم بالقرآن وبتصحيح قراءته للقرآن وهو العربى الذى يملك النطق السليم ولا ينقصه سوى ربع المجهود الذى يبذله غيرنا من غير العرب ؟


...


كل هذا كان فى مدينة بورصه عاصمة الخلافة العثمانيه قضينا فيها مُعظم المده وأروع المُده .. وقضينا اسبوعاً واحده فى اسطنبول البلد السياحى الكبير الذى نعرفه جميعاُ

كانت اسطنبول مزحمة جدا بها من كل الجنسيات من جاؤا من اجل السياحة وكان العرب بينهم هم الأكثر من حيث العدد من السعوديه ولبنان والامارات ومصر وغيرها ..

العرب فى تركيا لهم مكانة عاليه فهم ناطقين بالعربية التى يعشقها الاتراك .. كانت مكانتنا كبيرة بينهم ينظر الينا الجميع بفخر وترحاب شديد سائلين ايانا بدهشة مُعظمه " أنتم عرب " ولسان حالى انا يقول " كُنا عرب " !!


رغبة غريبه فى تعليمنا لغتهم وتعريفنا ببلادهم االجميله وعاداتهم الأصيله .. رغبة شعب بأكمله لا فرد أو اثنين لم أذكر يوماً اننى التقيت بمن عاملنى بشكل سيئ او حتى بنظرة غير مُرحبه ..

على عكس مايحدث هنا من ايذاء لغير المصريين ومعاملة مادية بحته .. معاملة تُظهر أسوأ مافينا لا أحسنه ..

وكانت اللحظات الأخيره هى الأصعب فى رحلتنا الأسطوريه ولم تكن دموعنا بأكثر من دموعهم .. ولم ننسى قط التركيه المتصوفه التى قبلت ايدينا بخشوع ما ان علمت بأننا عرب وعدت لبلدى اتسائل هل حقا استحققنا تلك القبله وهذا الاحترام

اتمنى لو نفعل يوماً ..


- عُدت من هناك لا أعرف ما الجميل فى بلادى غير وجود أهلى ومن أحب !

- أين مميزات بلادى ؟

- اخجل من نقمتى على بلدى ولكن هل من جميل أحبه هنا ؟

- ماذا فعلت لى لأشعر بالانتماء لها ؟

لم أعد أشعر بالرغبة فى العيش فى أى بلد عربيه أعرف بأننى سأعيش فيها ذليله فى بلاد البترول او غيرها

بت الآن أفهم بأننى مُحترمة عند مُسلمين الغرب

مُهانة فى بلادى ..

Thursday, October 18, 2007

من هنا هنقول






بعض القصص فى حياتنا تنتهى قبل ان تبدأ ..

والغريب في الموضوع أننا في الوقت الذي نحزن فيه على

نهايتها يبقى جزء منا ينتظر بدايتها

..


فإلى كل من دخل حياتي واخترق قلبي وعقلي واستقر بداخلها

اردت فقط أن اخبركم بأننى من هنـــــا سأبدأ